الثلاثاء، 31 يناير 2012

ملخص الخطبة


1- السلام اسم من أسماء الله الحسنى. 2- صيغ السلام المشروعة. 3- معاني لفظة السلام في القرآن. 4- آداب السلام. 5- فضل السلام. 6- آداب أخرى متعلقة بالسلام. 7- فوائد السلام. 
الخطبة الأولى
أما بعد:
قال تعالى: هُوَ ٱللَّهُ ٱلَّذِى لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ عَالِمُ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَـٰدَةِ هُوَ ٱلرَّحْمَـٰنُ ٱلرَّحِيمُ  هُوَ ٱللَّهُ ٱلَّذِى لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ ٱلْمَلِكُ ٱلْقُدُّوسُ ٱلسَّلَـٰمُ ٱلْمُؤْمِنُ ٱلْمُهَيْمِنُ ٱلْعَزِيزُ ٱلْجَبَّارُ ٱلْمُتَكَبّرُ سُبْحَـٰنَ ٱللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ  هُوَ ٱللَّهُ ٱلْخَـٰلِقُ ٱلْبَارِىء ٱلْمُصَوّرُ لَهُ ٱلاْسْمَاء ٱلْحُسْنَىٰ يُسَبّحُ لَهُ مَا فِى ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَٱلأرْضِ وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ [الحشر:22-24].
قال ابن حجر رحمه الله (السلام من أسماء الله تعالى  فقد جاء في حديث التشهد: ((فإن الله هو السلام)) وكذا في الآيات السابقة، ومعنى السلام: سالم من النقائص، وقيل: المسلم لعباده، وقيل المسلم على أوليائه.
قال ابن منظور: والسلام الله عز وجل، اسم من أسمائه لسلامته من النقص والفناء، وقيل معناه: أنه سلم مما يلحق الغير من آفات الغير الفناء، وأنه الباقي الدائم الذي تفنى الخلق ولا يفنى وهو على كل شيء قدير.
أيها المسلمون: فإن موضوعنا اليوم هو إفشاء السلام شعار أهل الإسلام، قال ابن حجر رحمه الله: "إفشاء السلام المراد نشره سراً أو جهراً وهو: نشر السلام بين الناس ليحيوا سنته صلى الله عليه وسلم".
صيغ السلام: هي أن يقال: السلام عليكم، وسلام عليكم، هذا إذا كان السلام لمن لقيك من المسلمين، فإن كان المرء مسلماً على الأموات فليقل: السلام على أهل الديار من المؤمنين، فإذا كان السلام موجهاً إلى من يرجى إسلامه، فإن صيغته هي: السلام على من اتبع الهدى.


فائدة (السلام في القرآن الكريم):
ذكر بعض المفسرين أن السلام في القرآن الكريم على أوجه:
أحدها: اسم من أسماء الله عز وجل ومنه قوله تعالى في سورة الحشر: ٱلْمَلِكُ ٱلْقُدُّوسُ ٱلسَّلَـٰمُ [الحشر:23].
والثاني: التحية المعروفة، ومنه قوله تعالى: فَسَلّمُواْ عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ [النور:61].
الثالث: السلامة من كل شر، ومنه قوله تعالى في سورة الواقعة: فَسَلَـٰمٌ لَّكَ مِنْ أَصْحَـٰبِ ٱلْيَمِينِ [المعارج:91].
والرابع: الخير، ومنه قوله تعالى في سورة القدر: سَلَـٰمٌ هِىَ حَتَّىٰ مَطْلَعِ ٱلْفَجْرِ [القدر:5]. قال ابن قتيبة: خير هي.
والخامس :الثناء الجميل، ومنه قوله تعالى في الصافات: سَلَـٰمٌ عَلَىٰ إِبْرٰهِيمَ [الصافات:109].
السادس: الجنة، ومنه قوله تعالى: لَهُمْ دَارُ ٱلسَّلَـٰمِ عِندَ رَبّهِمْ [الأنعام:127].

وتأملوا - أيها الأخوة الأعزاء- دينكم الحق، تأملوا هذه الأحاديث النبوية العظيمة التي تحث على إفشاء السلام، جعلنا الله وإياكم من أتباعه صلى الله عليه وسلم ومن المعظمين لسنته إنه جواد كريم.
عن جابر بن سليم رضي الله عنه قال: رأيت رجلاً يصدر الناس عن رأيه ولا يقول شيئاً إلا صدروا عنه،  قلت: من هذا ؟ قالوا: هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم، قلت: عليك السلام يا رسول الله – مرتين-، قال: ((لا تقل: عليك السلام، فإن عليك السلام تحية الميت، قل: السلام عليك، قلت: أنت رسول الله ؟ قال: أنا رسول الله الذي إذا أصابك ضر دعوته كشفه عنك، وإن أصابك عام سنة فدعوته أنبتها لك، وإذا كنت بأرض قفراء، أو فلاة، فضلت راحلتك فدعوته ردها عليك.
قلت: اعهد إلي، قال: لا تسبن أحداً قال: فما سببت بعده حراً ولا عبداً ولا بعيراً ولا شاة قال: لا تحقرن من المعروف وارفع إزارك إلى نصف الساق، فإن أبيت فإلى الكعبين، وإياك وإسبال الإزار فإنها من المخيلة وإن الله لا يحب المخيلة، وإن امرؤ شتمك وعيرك بما يعلم فيك فلا تعيره بما تعلم فيه، فإنما وبال ذلك عليه)) [أخرجه أبو داود وقال الألباني: صحيح].
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا انتهى أحدكم إلى المجلس فليسلم، فإذا أراد أن يقوم فليسلم، فليست الأولى بأحق من الآخرة)) [رواه أبو داود واللفظ له والترمذي وقال الألباني: حسن صحيح].
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا لقي أحدكم أخاه فليسلم عليه، فإن حالت بينهما شجرة أو جدار أو حجر ثم لقيه فليسلم عليه)) [رواه أبو داود وقال الألباني: صحيح].
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أعجز الناس من عجز في الدعاء، وأبخل الناس من بخل بالسلام)) [رواه الطبراني في الأوسط وقال المنذري في الترغيب: إسناده جيد قوي].
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إذا سلم عليكم أهل الكتاب فقولوا: وعليكم)) [رواه البخاري ومسلم].
وعن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: (أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبع: بعيادة المريض، واتباع الجنائز، وتشميت العاطس، ونصر الضعيف، وعون المظلوم، وإفشاء السلام، وإبرار المقسم. ونهى عن الشرب في الفضة ونهى عن تختم الذهب، وعن ركوب المياثر وعن لبس الحرير والديباج والقسي والإستبرق) [رواه البخاري ومسلم].
المياثر: هي أغشية الروح تتخذ من حرير، القسي: هي ثياب مضلعة بالحرير تعمل بالقس، وهو موضع من بلاد مصر...
وعن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن أولى الناس بالله من بدأهم بالسلام))، عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن رجلاً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الإسلام خير؟ قال: ((تطعم الطعام وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف)) [متفق عليه].
استمع يا عبد الله إلى هذا الفضل العظيم من فيض الكريم المنان يسوقه لك رسول الهدى صلى الله عليه وسلم، عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن المؤمن إذا لقي المؤمن سلم عليه وأخذ بيده فصافحه تناثرت خطاياهما كما يتناثر ورق الشجر)).
عن ربعي قال: حدثنا رجل من بني عامر: أنه استأذن على النبي صلى الله عليه وسلم وهو في بيت فقال: ألج؟  فقال النبي صلى الله عليه وسلم لخادمه: ((اخرج إلى هذا فعلمه الاستئذان، فقل له: قل: السلام عليكم أأدخل؟)) فسمعه الرجل فقال: السلام عليكم، أأدخل؟ فأذن له النبي صلى الله عليه وسلم فدخل. [رواه أبو داود وقال الألباني صحيح].
وعن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((السلام اسم من أسماء الله تعالى وضعه فأفشوه بينكم، فإن الرجل المسلم إذا مر بقوم فسلم عليهم، فردوا عليه كان له عليهم فضل درجة بتذكيره إياهم فإن لم يرد عليه رد عليه من هو خير منهم  وأطيب)) [رواه الطبراني والبزار بأسانيد رجالها رجال الصحيح].
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم )) [رواه مسلم].
عن أنس رضي الله أنه مر على صبيان فسلم عليهم وقال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعله) [رواه البخاري ومسلم].
وعن أبي أيوب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث، يلتقيان فيصد هذا ويصد هذا وخيرهما الذي يبدأ بالسلام)) [البخاري ومسلم].
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يا بني إذا دخلت على أهلك فسلم يكون بركة عليك وعلى أهل بيتك، فصلوات ربي وسلامه عليك ما ترك خيراً إلا دلنا عليه)).

الخطبة الثانية 
 أيها المسلمون: ومن الآداب والفوائد المتعلقة بالسلام.
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((يسلم الراكب على الماشي، والماشي على القاعد، والقليل على الكثير)) [البخاري ومسلم].
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((يسلم الصغير على الكبير،  والمار على القاعد، والقليل على الكثير)) [البخاري ومسلم].
عن قتادة رضي الله عنه قال: قلت لأنس: (أكانت المصافحة في أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم).
وعن البراء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما من مسلمين يلتقيان فيتصافحان إلا غفر لهما قبل أن يفترقا)) [أبو داود وقال الألباني: صحيح].
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رجل: يا رسول الله الرجل من يلقى  أخاه أو صديقه أينحني له؟ قال: ((لا، قال: أفيلتزمه ويقبله؟ قال: لا، قال: أيأخذ بيده ويصافحه ؟ قال: نعم)) [رواه الترمذي وقال: حديث حسن].
فائدة عظيمة: عن عمران بن حصين رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: السلام عليكم، فرد عليه السلام، ثم جلس فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((عشر، ثم جاء آخر فقال: السلام عليكم ورحمة الله، فرد عليه فجلس فقال: عشرون، ثم جاء آخر فقال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فرد عليه السلام فجلس فقال: ثلاثون)) [أبو داود والترمذي وقال الألباني: صحيح].
انظر رحمك الله إلى تعظيم السلف للسنة ومسارعتهم لتطبيقها رحمهم الله، أولئك أتباع النبي وحزبه ولو لا هم ما كان في الأرض مسلم.
عن سيار قال: كنت مع ثابت البناني فمر بصبيان فسلم عليهم، وحدث ثابت، أنه كان يمشي مع أنس فمر بصبيان فسلم عليهم، وحدث أنس أنه كان يمشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فمر بصبيان فسلم عليهم. [البخاري ومسلم].
وتأمل في هذا المشهد للصديق الأكبر أبو بكر رضي الله عنه: عن الأغر أغر مزينة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر لي بجزء من ثمر عند رجل من الأنصار، فمطلني به فكلمت فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اغد معه يا أبا بكر فخذ له ثمره)).
فوعدني أبو بكر المسجد إذا صلينا الصبح، فوجدته حيث وعدني فانطلقنا: فكلما رأى أبا بكر رجل من بعيد سلم عليه، فقال أبو بكر: أما ترى ما يصيب القوم عليك من الفضل لا يسبقك إلى السلام أحد، فكنا إذا طلع الرجل بادرناه بالسلام قبل أن يسلم علينا. [قال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير، ورجاله رجال الصحيح].
قال عمر رضي الله عنه: ثلاث يصفين لك ود أخيك: (أن تسلم عليه إذا لقيته، وتوسع له في المجلس، وتدعوه بأحب أسمائه إليه).
ومن الفوائد المتعلقة بالسلام: عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: (يجزي عن الجماعة إذا مروا أن يسلم أحدهم، ويجزي عن الجلوس أن يرد أحدهم). وهو أثر صحيح عن علي رضي الله عنه، ومثله لا يقال بالرأي، وقد جاء مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم وحسّن إسناده الحافظ ابن حجر بطرقه.
عن أنس رضي الله عنه قال: (كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إذا تلاقوا تصافحوا، وإذا قدموا من سفر تعانقوا) [رواه الطبراني في الأوسط وقال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح].
وبعد أيها المسلمون يفهم مما مضى ما يأتي:
السلام من أسماء الله تعالى وهو المسلم لعباده المسلم على أوليائه.
والجنة دار السلام فهي دار السلامة من الآفات.
والسلام أمان الله في الأرض، وهو تحية المؤمنين في الجنة وتحية أهل الإسلام في الدنيا وهو طريق المحبة والتعارف بين المسلمين.
والبخل بالسلام أشد من البخل بالمال وفي المداومة عليه تمييز للمسلمين وكيد لأعداء الدين.
السلام كما مر معنا يزيل العداوة وينهي الخصومة ويسل سخيمة الصدور، وكلما زادت كلمات السلام زادت حسناته، وقد انتهى ما علمنا صلى الله عليه وسلم في كلمات السلام إلى ((وبركاته))، إنك لتعجب من غفلة بعض المسلمين من هذه الفضائل العظيمة إذ يبدؤون فيما بينهم بغير السلام كمساء الخير، أهلاً ومرحباً ونحو ذلك، وهذه كلها لا بأس بها بعد السلام فالله الله في تعظيم شعائر الإسلام ذٰلِكَ وَمَن يُعَظّمْ شَعَـٰئِرَ ٱللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى ٱلْقُلُوبِ [الحج:32].
وليعلم يا عبد الله أن من أشراط الساعة التي أخبرنا بها نبينا صلى الله عليه وسلم أن يكون السلام للمعرفة فقط، وهذا خلاف ما أمرنا به نبينا صلى الله عليه وسلم،  ففي الحديث عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن من أشراط الساعة أن يسلم الرجل على الرجل لا يسلم عليه إلا للمعرفة)) [رواه أحمد وقال العلامة أحمد شاكر: إسناده صحيح]. وفي رواية له: ((إن بين يدي الساعة تسليم الخاصة)).
وهذا أمر مشاهد في هذا الزمن، فكثير من الناس لا يسلمون إلا على من يعرفون، وهذا خلاف السنة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم حث على إفشاء السلام على من عرفت ومن لمن تعرف. والله المستعان.
وأخيراً فلا تنس كثرة السلام على نبيك الكريم صلوات الله وسلامه عليه ما تعاقب الليل والنهار، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ما من أحد يسلم علي ّ إلا رد الله علي ّ روحي حتى أرد عليه السلام)) [رواه أبو داود واللفظ له، وأحمد في المسند وقال الألباني: حديث حسن].
فاللهم صل وسلم عليه تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين ........

الشيخ
دلير أكبر أنور
جامع الإمام الشافعي / العراق



Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق