الثلاثاء، 31 يناير 2012

الإسلام دين التسامح



الحمد لله الملك الديان الرحيم الرحمن خالق الإنس والجان ,احمده سبحانه واشكره على نعمه المتوالية على مر الزمان واشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له خص عباده المؤمنين المتقين بنعيم الجنان وتوعد المعرضين عن طريق الهدى ضنك النيران , واشهد أن نبينا وحبيبنا وسيدنا محمدا عبد الله ورسوله المصطفى من بين الخليقة بالرسالة والقران والمجتبى بالتفضيل على الثقلين الإنس والجان صلى الله عليه وعلى اله وصحبه ومن تبعه على طريق الهدى بإحسان . أما بعد : فاتقوا الله عباد الله فان التقوى هي سلم الرضوان والطريق لبحبوحة الجنان قال ذلكم ربكم في محكم آيات البيان : { تلك الجنة التي نورث من عبادنا من كان تقيا} ([1]) .
أيها الأحبة في الله طفل صغير كان يعيش في كنف أبيه الذي كان يغدق عليه من حبه وحنانه فاستثار ذلك الحب والحنان إخوته من أبيه عليه فحقدوا عليه بلا ذنب ارتكبه ولا تقصير في جانبهم فعله, فاخذوا يعقدون الاجتماعات السرية بينهم يتفكرون فيها كيف يتخلصون منه , ثم استقر رأيهم على أن يقتلوه بإلقائه في بئر ويتخلصوا منه ومن جثمانه , واحتالوا على الأب واخذوا الطفل البريء وجردوه من ثوبه والقوا به بلا رحمة أو شفقة أو مراعاة لدم النسب الذي بينهم في غياهب ذلك البئر أرادوا قتله وأراد الله له الحياة فمكث في ذلك البئر ينتظر الفرج ممن بيده  مفاتيح الفرج , وبينما هو في مجلسه ذاك إذا بحبل ودلو يتدلى فتمسك به وصعد وذا به بين يدي رجال قساة القلوب فرحوا به لا لأنه إنسان أنقذوه ولكن لأنه يمكن بيعه في سوق العبيد وأخذوه وباعوه وبدأ في رحلة مرهقة متعبة فمن كيد النساء إلى السجن حتى مكن الله له بعد ذلك في الأرض وإذا بإخوته الذين كادوا له أتوه فقراء أذلاء فلما عرفهم بنفسه سقط في أيديهم وقاموا يعتذرون فهل انتقم منه هل عاقبهم على رحلة العناء والتعب التي كبدوه إياها على حرمانه من حنان الأب الذي حرموه إياه لا بل عفا عنهم نعم عفا عنهم لان هذه هي خلق المتقين هذه هي شيمة الرجال وعنوان الرجولة أتدرون من هو هذا الرجل الشهم انه الكريم ابن الكريم انه نبي الله يوسف عليه السلام واستمعوا للمقطع الأخير من القصة يقصها عليكم العليم الخبير لتظل نبراسا لأهل العفو والصفح والمسامحة : { هل علمتم ما فعلتم بيوسف وأخيه إذ انتم جاهلون () قالوا ائنك لانت يوسف قال أنا يوسف وهذا أخي قد من الله علينا انه من يثق ويصبر فان الله لا يضيع اجر المحسنين () قالوا تالله لقد آثرك الله علينا وان كنا لخاطئين ()قال لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو ارحم الراحمين }(2) .الله اكبر هذا يوسف تعالى عن كل ما أصابه بسبب إخوته ليحلق في سماء العفو والصفح والمسامحة , نعم انه من يتق ويصبر فان الله لا يضيع اجر المحسنين تلكم قاعدة ذهبية ضاعت في زحمة الحياة المادية التي بنيت إخوتها على الدرهم والدينار , هذه الصورة نهديها ناصعة تضيء بنور هذا الخلق العظيم خلق العفو والصفح والمسامحة إلى إخوة من امة الإسلام حملهم رحم واحد ورضعوا من ثدي واحد وأكلوا من إناء واحد وضمهم بيت واحد ثم إذا هم بينهم قضايا ومحاكم وشرط وهجر يصل بالأعوام والسنين , يلتقيان على سفرة واحدة في مناسبات مفرحة أو محزنة ويأكلان من إناء واحد ولا يكلم بعضهم بعضا , نسألهم أين انتم من كتاب ربكم الذي بين أيديكم يقص يقص عليكم قصة يوسف


وإخوته؟ لا بل القران منهج حياة وفي سياق القصة نفسها قصة ذلك الأب المكلوم يعقوب عليه السلام الذي فقد ولده الحبيب المقرب إلى نفسه فنزل به من الهم والحزن ما الله به عليم واسب دبه البكاء حتى عميت عيناه ومع ذلك صفح عن أولاده وعفا عنهم واستغفر لهم واسمعوها طرية ندية من كتاب ربكم إذ يقول : { قالوا يا أبانا استغفر لنا ذنوبنا أنا كنا خاطئين () قال سوف استغفر لكم ربي انه هو الغفور الرحيم }(3). ما دعا عليهم وما عنفهم أو زجرهم وما هجرهم , ولكن  عاملهم بخلق العفو والصفح والمسامحة , فأين آباء من امة الإسلام هجروا أبناءهم من اجل أخطاء بسيطة تافهة ودعوا عليهم فكانوا عياذا بالله سبب شقائهم ؟ أين هم من موقف يعقوب عليه السلام مع أبنائه ؟ وهذا نبينا وقدوتنا صلى الله عليه وسلم مكرت به قريش في جاهليتها . أذوه , عذبوا أصحابه , أخرجوه من بلده , خططوا لقتله حاربوه في دينه ومعتقده , قاتلوه وقتلوا أصحابه وكانوا حريصين على قتله ومع كل ذالك يوم إن مكنه الله من رقابهم يوم فتح مكة خاطبهم وهو واقف على باب الكعبة وهم وقوف تحت قدميه ما تظنون إني فاعل بكم ؟ فجاءه الرد من قلوب خائفة ذليلة وجلة أخ كريم وابن أخ كريم , فماذا فعل فيهم ( صلى الله عليه وسلم ) بأبي هو و أمي وبالناس أجمعين ؟ خاطبهم بذلك الخطاب الذي يمسك بأذن التاريخ والبشرية ليصب فيها أروع صور العفو والمسامحة اذهبوا فانتم الطلقاء مع كل ما فعلتموه ؟ اذهبوا فأنتم الطلقاء مع كل ما ارتكبتموه , الله اكبر فأين قوما من بني الإسلام أطالوا لحاهم وقصروا ثيابهم اقتداء بسنة نبيهم ( صلى الله علية وسلم ) وحملوا أمانة الدعوى إلى الله في أعناقهم من مثل هذا الموقف تجدوا احدهم يحمل على داعية مثله فيهجره ويقاطعه ويذمه ويتكلم في عرضه صباح مساء لا لشيء إلا لأنه لا يعتنق فكره أو لا ينتمي لحزبه ! يصلي خلفه السموات ثم هو لا يمد إليه يده ولا يكلمه لأوهام في رأسه ومرض في نفسه ،نقول لهم : هذا رسول الله وهذا موقفه ممن حاربوه في الدين ، فهل ينسجم فعلكم هذا مع دعاة مثلكم إلى الدين مع سنة خير المرسلين ؟ هذا أبو بكر الصديق ( رضي الله عنه ) يتكلم في عرض ابنته الطاهرة العفيفة المبرئة من فوق سبع سموات رجل كان أبو بكر يحسن إليه وينفق عليه ، فيتألم لذلك الصديق ويعتريه ما يعتريه البشر فيهم بان يمنع عطاءه عن الرجل فيعاتبه ربه من فوق سبع سموات والذي لا يرضى لأفراد امة الإسلام إلا الكمال بقوله : { ولا يأتل أولوا الفضل منكم والسعة أن يأتوا أولوا القربى والمساكين والمهاجرين في سبيل الله وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم } (4) , فيستجيب الصديق المرهف الحس لآيات كتاب ربه استجابة فورية بلا والله أحب أن يغفر الله لي ويعيد إحسانه إلى الرجل ؟ فإلى كل صاحب فضل وإحسان جاءته إساءة ممن يحسن إليه نقول له : {ألا تحبون أن يغفر الله لكم و الله غفور رحيم }؟ هذه جارية تصب الماء على سيدها في الوضوء فتسقط الجرة على السيد فتنكسر وتؤذيه فيغضب فتخاطبه الجارية بآيات الكتاب لأنها عرفت أن سيدها رجل مؤمن والمؤمن وقاف عند آيات ربه فقالت: والكاظمين الغيظ قال : كظمت غيظي , قالت : والعافين عن الناس , قال : عفوت عنك , قالت : والله يحب المحسنين , قال : اذهبي فأنت حرة لوجه الله ,الله اكبر تخطيء وتكسر الجرة وتؤذيه ويكون ذلك سببا في عتقها , وغيرها يشتري نفسه بالدرهم والدينار! لكنها قلوب صفت من الغل والحقد والحسد ورقت لخالقها وملئت عفوا وصفحا قلوب تغلغل نور القران في جنباتها فجعلت 


من أصحابها كواكب يقتدى بها , فأين من يسيئون إلى عمالهم وخادماتهم لأتفه الأخطاء من العفو والصفح والمسامحة؟ أين الزوجة التي تتربص من زوجها زلات اللسان والهفوات من مثل ذلك؟ أين موقعنا نحن جميعا من مبدأ العفو والصفح والمسامحة . أعوذ بالله من الشيطان الرجيم :{وجزاء سيئة سيئة مثلها فمن عفا وأصلح فأجره على الله انه لا يحب الظالمين}(5)

الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه واشهد أن لا اله إلا الله تعظيما لشانه واشهد أن محمدا عبد الله ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى اله وصحبه وأتباعه , أما بعد : فاتقوا الله عباد الله واعلموا أن دينكم دين عفو وصفح ومسامحة و ليس دين حقد وتباغض ومقاطعة كيف لا وربكم عفو كريم يحب العفو سبحانه  اخرج الإمام احمد بسنده إن أمنا أم المؤمنين عائشة قالت يا نبي الله أرأيت أن وافقت ليلة القدر ما أقول : (( تقولين اللهم انك عفو تحب العفو فأعفو عنا ))(7) واخرج الإمام البخاري عن أبي أيوب الأنصاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ((لا يحل لرجل أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليالي يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا وخيرهما الذي يبدأ بالسلام ))(6). أرأيتم أيها الأحبة في الله فوق ثلاث ليال فما بالكم بثلاثة أسابيع وثلاثة أشهر وثلاث سنوات وهناك من يورثوا العداء والبغضاء وعدم الصفح إلى أولادهم كما يورثوا الدرهم والدينار ويتواصوا على ذلك حتى قد تمتد القطيعة إلى ثلاثة أجيال أو تزيد , فاتقوا الله عباد الله ولنتواصى جميعا من هذا المكان المبارك وفي هذا الزمان المبارك  على أن نربي أنفسنا وأزواجنا وأولادنا على العفو والصفح والمسامحة بشكل لا يؤدي إلى ضياع حق من حقوق الله.
...............................
([1])مريم : 63 .(2)يوسف : 89-92 .(3)يوسف : 98.(4)النور : 22.(5)الشورى : 40.(7)مسند الإمام احمد , ح24215



الشيخ عبد الحميد الشيخ محمد البر زنجي
إمام جامع الشيخ محمد
الأحد  22/1/2012

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق